كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


في المواهب‏:‏ الخلق أي الحميد ملكة نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة والسجايا المرضية المدركة بالبصيرة لا بالبصر وفي الرسالة العضدية‏:‏ الخلق أي من حيث هو الشامل للحميد وغيره ملكة تصدر عنها الأفعال النفسانية بسهولة من غير روية قال ويمكن تغييره لدلالة الشرع واتفاق العقلاء على إمكانه وقال الغزالي في الميزان وتبعه زرّوق في قواعد الشريعة والحقيقة‏:‏ الخلق هيئة راسخة في النفس تنشأ عنها الأمور بسهولة فحسنها حسن وقبيحها قبيح وقال ابن سينا في كتاب نهذيب الأخلاق‏:‏ الخلق حال للنفس داعية إلى أفعالها من غير فكر ولا روية وتنقسم هذه الحال إلى قسمين قسم من أصل المزاج كالحال التي بسببها يجبن الإنسان من أقل شيء كالفزع من صوت يطرق سمعه أو من خبر يسمعه وكالحال التي بسببها يضحك كثيراً من أدنى عجب أو يغتم أو يحزن من أيسر شيء وقسم مستفاد من التدبر والعادة وربما كان مبدؤه بروية وفكر ثم يستمر حتى يصير ملكة وخلقاً قال‏:‏ وقال قوم ليس شيء من الأخلاق طبيعياً وإنما ينتقل إليه بالتأدب والمواعظ سريعاً أو بطيئاً وقال قوم منه غريزي ومنه مكتسب وهو كذلك‏.‏

قال الغزالي‏:‏ جمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال‏:‏ أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، بر وصول، وقور صبور، شكور حليم، رفيق، عفيف، شفيق، لا لعان، ولا سباب، ولا نمام، ولا مغتاب، ولا عجول، ولا حقود، ولا بخيل، ولا حسود‏.‏

- ‏(‏المستغفري‏)‏ أبو العباس ‏(‏في مسلسلاته‏)‏ أي في أحاديثه المسلسلة ‏(‏وابن عساكر‏)‏ في تاريخه كلاهما من حديث العلائي عن الحسن عن الحسن عن الحسن ‏(‏عن الحسن‏)‏ أمير المؤمنين ‏(‏بن علي‏)‏ أمير المؤمنين ثم قال أعني ابن عساكر الحسن الأول هو ابن حسان السمتي والثاني ابن دينار والثالث البصري اهـ وابن دينار أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال النسائي وغيره متروك‏.‏

2184 - ‏(‏إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب‏)‏ وهو بياض الشعر ‏(‏الحناء‏)‏ بكسر فتشديد فمد ‏(‏والكتم‏)‏ بالتحريك نبت يخلط بالوسمة ويختضب به ذكره في الصحاح ورقه كورق الزيتون وله ثمرة قدر الفلفل وليس هو ورق النيل كما وهم ولا يشكل بالنهي عن الخضاب بالسواد لأن الكتم إنما يسوّد منفرداً فإذا ضم للحناء صير الشعر بين أحمر وأسود والمنهي عنه الأسود البحت وقيل الواو بمعنى أو على التخيير والتعاقب لا الجمع وهنا أجوبة مدخولة فاحذرها‏.‏

- ‏(‏حم 4 حب عن أبي ذر‏)‏ قال الترمذي حسن صحيح‏.‏

2185 - ‏(‏إن أحسن ما زرتم به اللّه‏)‏ يعني ملائكته ‏(‏في قبوركم‏)‏ إذا صرتم إليها بعد الموت ‏(‏ومساجدكم‏)‏ ما دمتم باقين في الدنيا ‏(‏البياض‏)‏ أي الأبيض البالغ البياض من الثياب أي ونحوها من كل ملبوس فأفضل ما كفن به المسلم البياض وأفضل ‏[‏ص 418‏]‏ ما يلبس يوم الجمعة لصلاتها البياض وإنما لبس الأرفع منه يوم العيد ولو غير أبيض لأن القصد يومئذ إظهار الزينة وإيثار النعمة وهما بالأرفع أليق‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي الدرداء‏)‏‏.‏

2186 - ‏(‏إن أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن فيه‏)‏ أي يقرؤه بحزن وتخشع وبكاء فإن لم يبك تباكى إذ بذلك يخشع القلب فتنزل الرحمة قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز صوت حزين رخيم‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏‏.‏

2187 - ‏(‏إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب اللّه‏)‏ فأخذ الأجرة على تعليمه جائز كالاستئجار لقراءته وأما خبر إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها أي الهدية على تعليمه فمنزل على أنه كان متبرعاً بالتعليم ناوياً الاحتساب فكره تضييع أجره وإبطال حسنته فلا حجة فيه للحنفية المانعين أخذ الأجر لتعليمه وقياسه على الصوم والصلاة فاسد لأنهما مختصان بالفاعل وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المتعلم ذكره القرطبي قال ابن حجر‏:‏ في هذا الخبر إشعار بنسخ الخبر الآتي من أخذ على تعليم القرآن قوساً قلده اللّه قوساً من نار‏.‏

- ‏(‏ح‏)‏ في الطب بلفظه وفي الإجارة معناه ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال‏:‏ لما رقى بعض مسافرين على لديغ بالحمد فبرأ فأعطوه شيئاً فكرهه أصحابه قائلين أخذت على تعليم القرآن أجراً فلما قدموا سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم فذكره قال ابن حجر‏:‏ وهم من عزاه للمتفق عليه وهذا المتن أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقعقع المؤلف عليه وأبرق وأرعد وما ضره ذلك شيئاً فإنه أعني ابن الجوزي أورده بسند غير سند البخاري وقال إنه من ذلك الطريق موضوع وليس حكمه على المتن‏.‏

2188 - ‏(‏إن أحق الشروط أن توفوا به‏)‏ نصب على التمييز أي وفاء أو مجرور بحرف الجر أي بالوفاء ‏(‏ما استحللتم به الفروج‏)‏ خبره يعني الوفاء بالشروط حق وأحق الشروط بالوفاء الذي استحللتم به الفروج وهو المهر والنفقة ونحوهما فإن الزوج التزمها بالعقد فكأنها شرطت هذا ما جرى عليه القاضي في تقريره ولا يخفى حسنه قال الرافعي رحمه اللّه‏:‏ وحمله الأكثر على شرط لا ينافي مقتضى العقد كشرط المعاشرة بالمعروف ونحو ذلك مما هو من مقاصد العقد ومقتضياته بخلاف ما يخالف مقتضاه كشرط أن لا يتزوج أو يتسرى عليها فلا يجب الوفاء به وأخذ أحمد رضيّ اللّه عنه بالعموم وأوجب الوفاء بكل شرط‏.‏

- ‏(‏حم ق 4‏)‏ في النكاح ‏(‏عن عقبة بن عامر‏)‏‏.‏

2189 - ‏(‏إن أخا صداء‏)‏ أي الذي هم من قبيلة صداء بضم الصاد والتخفيف والمدّ حي من اليمن زياد بن الحارث بايع النبي صلى اللّه عليه وسلم فتح مصر سماه أخا لكونه منهم تقول العرب يا أخا بني تميم يريدون يا واحداً منهم ومن بيت الحماسة حيث قال فيهم واصفهم‏:‏

لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا

أفاده الزمخشري ‏(‏هو أذن‏)‏ للصلاة ‏(‏ومن أذن‏)‏ لها ‏(‏فهو‏)‏ الذي ‏(‏يقيم‏)‏ لا غيره أي هو أحق بالإقامة ممن لم يؤذن لكن لو تعدى غيره وأقام اعتد بها ولا تعاد وفيه أن نظر الإقامة إلى الإمام فلو أقام بغير إذنه أجزأ وأما الأذان فنظره إلى المؤذن وفيه جواز ذكر الإنسان بما يميزه ولو غير اسمه وكنيته إذا لم يوهم نفعاً‏.‏

- ‏(‏حم د ت ه‏)‏ في الأذان ‏(‏عن زياد بن الحارث الصدائي‏)‏ قال‏:‏ أمرني المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أن أؤذن في صلاة الفجر فأذنت وأراد بلال أن يقيم فذكره واللفظ للترمذي وقضية صنيع المصنف أن مخرجيه رووه ساكتين عليه والأمر بخلافه بل تعقبه الترمذي ‏[‏ص 419‏]‏ بأنه إنما يعرف من حديث الأفريقي وهو ضعيف عندهم اهـ قال المناوي‏:‏ وقد ذكره النووي في الأحاديث الضعيفة اهـ‏.‏ وقال الذهبي رواه أبو داود من حديث الأفريقي عن زياد بن نعيم الصدائي والأفريقي ضعيف وزياد لا يعرف لكن صرح ابن الأثير بأن زياد بن الحارث صحابي معروف وقال نزل مصر وبايع النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم وأذن بين يديه‏.‏

2190 - ‏(‏إن أخوف ما أخاف‏)‏ قال أبو البقاء‏:‏ أخوف اسم إن وما نكرة موصوفة والعائد محذوف تقديره إن أخوف شيء أخافه ‏(‏على أمتي‏)‏ أمة الإجابة ‏(‏الأئمة‏)‏ جمع إمام وهو مقتدى القوم ورئيسهم ومن يدعوهم إلى قول أو فعل أو اعتقاد ‏(‏المضلون‏)‏ يعني إذا استقصيت الأشياء المخوفة لم يوجد أخوف منه قال في المطامح‏:‏ كان صلى اللّه عليه وسلم حريصاً على إصلاح أمته راغباً في دوام خيرتها فخاف عليهم فساد الأئمة لأن بفسادهم يفسد النظام لكونهم قادة الأنام فإذا فسدوا فسدت الرعية وكذا العلماء إذا فسدوا فسد الجمهور من حيث أنهم مصابيح الظلام انتهى وساق العلائي بسنده إلى ابن عمر أنه قيل له ما يهدم الإسلام قال زلة عالم وجدال منافق وحكم الأئمة المضلين ومن هذا الجنس ما في الكشاف عن الحجاج أنه قيل له إنك حسود فقال أحسد مني من قال ‏"‏وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي‏"‏ وهذا من جرأته على اللّه وشيطنته كما حكى أنه قال طاعتنا أوجب من طاعة اللّه لأنه شرط في طاعته فقال اتقوا اللّه ما استطعتم وأطلق طاعتنا فقال وأولي الأمر منكم ومن ضلالهم وضلالاتهم ما نقل عن بعض خلفاء بني مروان أنه قال لابن عبد العزيز أو الزهري بلغنا أن الخليفة لا يجري عليه القلم ولا تكتب عليه معصية فقال يا أمير المؤمنين الخلفاء أفضل أو الأنبياء قال تعالى ‏{‏يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه‏}‏ ولما مات ابن عبد العزيز أراد القائم من بعده أن يمشي على نمطه حتى شهد له أربعون شيخاً بأن الخليفة لا حساب عليه ولا عقاب‏.‏

- ‏(‏حم طب عن أبي الدرداء‏)‏ قال الهيثمي فيه راويان لم يسميا‏.‏

2191 - ‏(‏إن أخوف ما أخاف على أمتي‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة لم يوجد أخوف من قول ‏(‏كل منافق عليم اللسان‏)‏ أي كثير علم اللسان جاهل القلب والعمل اتخذ العلم حرفة يتأكل بها ذا هيبة وأبهة يتعزز ويتعاظم بها يدعو الناس إلى اللّه ويفر هو منه ويستقبح عيب غيره ويفعل ما هو أقبح منه ويظهر للناس التنسك والتعبد ويسارر ربه بالعظائم إذا خلا به ذئب من الذئاب لكن عليه ثياب فهذا هو الذي حذر منه الشارع صلى اللّه عليه وسلم هنا حذراً من أن يخطفك بحلاوة لسانه ويحرقك بنار عصيانه ويقتلك بنتن باطنه وجنانه‏.‏ قال الزمخشري رحمه اللّه‏:‏ والمنافقون أخبث الكفرة وأبغضهم إلى اللّه تعالى وأمقتهم عنده لأنهم خلطوا بالكفر تمويهاً وتدلياً وبالشكر استهزاء وخداعاً ولذلك أنزل فيهم ‏{‏إن المنافقين في الدرك الأسفل‏}‏ انتهى‏.‏ وكان يحيى بن معاذ يقول لعلماء الدنيا يا أصحاب القصور قصوركم قيصرية وبيوتكم كسروية وأبوابكم ظاهرية وأخفافكم جالوتية ومراكبكم قارونية وأوانيكم فرعونية ومآثمكم جاهلية ومذاهبكم شيطانية فأين المحمدية والعالمية وأكثر علماء الزمان ضربان ضرب منكب على حطام الدنيا لا يمل من جمعه وتراه شهره ودهره يتقلب في ذلك كالهج في المزابل يطير من عذرة إلى عذرة وقد أخذت دنياه بمجامع قلبه ولزمه خوف الفقر وحب الإكثار واتخذ المال عدة للنوائب لا يتنكر عليه تغلب الدنيا وضرب هم أهل تصنع ودهاء وخداع وتزين للمخلوقين وتملق للحكام شحاً على رئاستهم يلتقطون الرخص ويخادعون اللّه بالحيل ديدنهم المداهنة وساكن قلوبهم المنى طمأنينتهم إلى الدنيا ‏[‏ص 420‏]‏ وسكونهم إلى أسبابها اشتغلوا بالأقوال عن الأفعال وسيكافئهم الجبار المتعال‏.‏

- ‏(‏حم عن عمر‏)‏ بن الخطاب ورواه عنه أيضاً البزار وأبو يعلى‏.‏ قال المنذري‏:‏ رواته محتج بهم في الصحيح وقال الهيثمي رجاله موثوقون انتهى‏.‏

2192 - ‏(‏إن أخوف ما أخاف على أمتي‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة شيئاً بعد شيء لم يجد أخوف من ‏(‏عمل قوم لوط‏)‏ عبر به تلويحاً بكونهم الفاعلين لذلك ابتداء وأنه من أقبح القبيح لأن كل ما أوجده اللّه في هذا العالم جعله صالحاً لفعل خاص فلا يصلح له سواه وجعل الذكر للفاعلية والأنثى للمفعولية وركب فيهما الشهوة للتناسل وبقاء النوع فمن عكس فقد أبطل الحكمة الربانية وقد تطابق على ذمه وقبحه شرعاً وعقلاً وطبعاً أما شرعاً فلآية ‏{‏وأمطرنا عليهم حجارة‏}‏ روي أن جبريل عليه السلام رفع قرى قوم لوط على جناحه حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم وصياح ديكتهم ثم قلبها وأمطر عليهم الحجارة وأما عقلاً فلأنه تعالى خلق الإنسان أفضل الأنواع وركب فيه النفس الناطقة المسماة بالروح بلسان الشرع والقوة الحيوانية لمعرفته تعالى ومعرفة الأمور العالية التي منها معرفة وجه حكمته وفي ذلك إبطال حكمته كما تقرر، وأما طبعاً فلأن ذلك الفعل لا يحصل إلا بمباشرة فاعل ومفعول به والقبح الطبيعي هو ما لا يلائم الطبع وهذا الغعل لا يلائم المفعول به إلا لأحد أمرين إما فيضان صورة الأنوثة عليه وإما لتولد مادة المنفد فيحصل تآكل ورعدة بالمحل تسكن بالفعل به وذلك نقيصة لا يلائم طبع الفاعل إلا بجعل النفس الناطقة تابعة للقوة الحيوانية وهو نقص لا يكنته كنهه ثم هل اللواط أغلظ أم الزنا‏؟‏ أقوال ثالثها هما سواء وللخلاف فوائد منها ما لو رأى رجلاً يلوط وآخر يزني وبدفع أحدهما يفوت الآخر فأيهما يقدمه‏؟‏

- ‏(‏حم ت ك‏)‏ كلهم في الحدود ‏(‏عن جابر‏)‏ قال الترمذي حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه وفيه عبد اللّه بن محمد احتج به أحمد وقال ابن خزيمة لا يحتج به ولينه أبو حاتم‏.‏

2193 - ‏(‏إن أخوف ما أخاف على أمتي الاشراك باللّه‏)‏ قيل أتشرك أمتك من بعدك قال نعم ‏(‏أما‏)‏ بالتخفيف ‏(‏إني لست أقول يعبدون شمساً ولا قمراً ولا وثناً‏)‏ أي صنماً ‏(‏ولكن أعمالاً لغير اللّه‏)‏ أي رياء وسمعة ‏(‏وشهوة خفية‏)‏ قال الأزهري‏:‏ أستحسن أن أنصب الشهوة الخفية وأجعل الواو بمعنى مع أي الرياء مع الشهوة الخفية للمعاصي فكأنه يرائي الناس بتركه المعاصي والشهوة في قلبه وقيل الرياء ما ظهر من العمل والشهوة الخفية حب اطلاع الناس على العمل وسئل الحسن عن الرياء أهو شرك قال نعم أما تقرأ ‏{‏فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً‏}‏ وقال العارف الجنيد‏:‏ الذي يملك نفسه مالك والذي يملكه هواه مملوك ومن لم يكن الغالب على قلبه ربه فإنما يعبد هواه ونفسه ثم هذا الخبر لا يناقضه ‏{‏وما أدري ما يفعل بي ولا بكم‏}‏ لحمل هذا على المخاطبين المخصوصين بهذا الخطاب وأنه من قبيل الكشف له وذلك على الأعم وما قبل الكشف وفي الإسرائيليات أن حكيماً صنف ثلثمئة وستين كتاباً في الحكمة حتى وصف بها فأوحى اللّه إلى نبيهم قل له قد ملأت الأرض نفاقاً ولم تردني بشيء من ذلك ولا أقبل منه شيئاً فندم وترك وخالط العامة وتواضع فأوحى اللّه إليه قل له الآن قد وافقت رضاي ‏(‏تتمة‏)‏ قال ابن عطاء اللّه‏:‏ إرادتك التجريد مع إقامة اللّه إياك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة اللّه إياك في التجديد انحطاط عن الهمة العلية‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ من رواية داود بن الجراح عن عامر بن عبد اللّه عن الحسن بن ذكوان عن عبادة ‏(‏عن شداد بن أوس‏)‏ ورواد ضعفه الدارقطني وعامر قال المنذري لا يعرف والحسن بن ذكوان قال أحمد أحاديثه بواطيل قال الحافظ العراقي ورواه أحمد عن شداد أيضاً وزاد فيه قيل ما الشهوة الخفية قال يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهوات الدنيا فيترك صومه ويفطر ثم قال أعني العراقي حديث لا يصح لعلة فيه خفية وعبد الوهاب بن زياد وهو ضعيف قال وبتقدير صحته فإبطال صومه ‏[‏ص 421‏]‏ لأجل شهوته مكروه بخلافه لأمر مشروع من زائر وعارض فلا تعارض بينه وبين حديث‏:‏ الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر‏.‏

2194 - ‏(‏إن أدنى أهل الجنة منزلة‏)‏ زاد في رواية وليس فيهم دنيء ‏(‏لمن ينظر إلى جنانه‏)‏ بكسر الجيم جمع جنة وبفتحها ‏(‏وأزواجه ونعمه‏)‏ بفتح النون والعين إبله وبقره وغنمه أو هو بكسر النون وفتح العين جمع نعمة كسدرة وسدر والنعمة بالفتح اسم من التنعم والتمتع وهو النعيم ‏(‏وخدمه‏)‏ بالتحريك جمع خادم غلاماً كان أو جارية والخادمة بالهاء في المؤنث قليل ‏(‏وسرره‏)‏ بضمتين جمع سرير وجمعه أيضاً أسرة وقد يعبر بالسرير عن الملك والنعمة كما في الصحاح وغيره ‏(‏مسيرة ألف سنة‏)‏ ذكره الطيبي ‏(‏وأكرمهم على اللّه‏)‏ أي أعظمهم كرامة عنده وأوسعهم ملكاً ‏(‏من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية‏)‏ تمامه ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم ‏{‏وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة‏}‏ قال البعض‏:‏ ولم يرد به التوقيت إذ لا غدوة ثم ولا عشية وإنما اختص الإكرام بكثرة النظر لأنه لا شيء يقاوم تجليه ولولا تقويته لهم لصاروا دكاً كالجبال لكنه قواهم ليستوفوا لذة النظر فينسيهم ذلك كل نعيم كانوا فيه ‏{‏ذلك هو الفوز العظيم‏}‏ وفيه أنه تعالى يراه المؤمنون في الجنة بمعنى حصول الحالة الإدراكية الحاصلة عند النظر إلى القمر من غير جهة ولا مقابلة وفيه أن الرؤيا يرجى نيلها بالمحافظة على العبادة في هذين الوقتين أي طرفي النهار ذكره ابن حجر‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في صفة الجنة ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال المناوي وغيره وفيه وبر بن أبي فاختة قال الذهبي واه اهـ وأقول فيه أيضاً لبابة بن سوار قال في الكاشف صدوق يرى الإرجاء وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال ابن حجر في الفتح في سنده ضعيف‏.‏

2195 - ‏(‏إن أدنى أهل الجنة منزلاً لرجل له دار من لؤلؤة واحدة منها غرفها‏)‏ جمع غرفة ‏(‏وأبوابها‏)‏ أي وجدرها وسائر أجزائها وليس ذلك ببعيد إذ هو القادر على كل شيء فيكرم أهل الجنة ما لا يخطر بقلب ولا يدرك بعقل وأحوال الجنة لا تقاس بأحوال الدنيا‏.‏

- ‏(‏هناد‏)‏ بن إبراهيم النسفي روى الكثير قال السمعاني الغالب على روايته المناكير ولعله ما روى في مجموعاته حديثاً صحيحاً إلا ما شاء اللّه وهو تلميذ المستغفري مات سنة خمس وستين وأربع مئة ‏(‏في الزهد‏)‏ أي في كتاب الزهد له ‏(‏عن عبيد‏)‏ بضم المهملة وفتح الموحدة ‏(‏بن عمير‏)‏ مصغر عمر بن قتادة الليثي مرادف الأسد قاضي مكة ولد في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم ومات قبل ابن عمير ‏(‏مرسلاً‏)‏ أرسل عن عمر وأبيّ وطائفة وذكر ثابت البناني أنه قص على عهد عمر واستبعده الذهبي‏.‏

2196 - ‏(‏إن أرحم ما يكون اللّه بالعبد‏)‏ أي أرحم حال يكون اللّه رحيماً بالعبد فيها حال العبد ‏(‏إذا وضع في حفرته‏)‏ أي إذا ألحد لحده لأن أعظم فاقة يجدها العبد في ذلك الحال وأشد اضطراراً كان ويكون له الآن وفي الاستقبال ومن وصل إلى هذه الرتبة في الاضطرار وقطع النظر عما سوى الملك الغفار أفيض عليه من بحر الرحمة الزخار ‏[‏ص 422‏]‏ وظاهره أن المراد بالعبد المؤمن لا الكافر‏.‏

- ‏(‏فر عن أنس‏)‏ وفيه نوح بن سالم قال الذهبي قال ابن معين ليس بشيء‏.‏

2167 - ‏(‏إن أرواح الشهداء في طير خضر‏)‏ أي يكون الطائر ظرفاً لها لقوله في خبر أبي داود في أجواف طير وليس هذا بحصر ولا بحبس لأنها إما أن توسع عليها كالفضاء أو يجعل في تلك الحواصل من النعيم ما لا يوجد في فضاء واسع والمراد أنها نفسها تكون طيراً بأن تمثل بصورته كتمثل الملك بشراً سوياً وتحقيقه أن الأرواح بعد مفارقة البدن مجردة فهي في غاية اللطافة وما كان كذلك فظهوره وتعينه في حقيقة كل متعين ومرتية وعالم إنما يكون بحسب قابلية الأمر المعين والمرتبة المقتضية تعينه وظهوره فيها ويعرف بهذا سر تجسد الأرواح الملكية وكون جبريل يسعه أدنى جزء من الأرض كحجرة عائشة رضي اللّه عنها مع أن له ست مئة جناح كل جناح يسد الأفق وعلى الأول فالأرواح تنتقل إلى جسم آخر وعليه اتفق العقلاء لكن هل تكون مدبرة لذلك الجسم‏؟‏ قال كثير من أهل السنة نعم وقال الحكماء لا يصح ذلك وإلا لكان تناسخاً وإنما تستعمل تلك الأجرام لإمكان التخيل فيتخيل الصور التي كانت معتقدة عنده فإن كان اعتقاده في نفسه وأفعاله خيراً شاهدت الخيرات الأخروية على حسب ما تخيلتها وإلا شاهدت العقاب كذلك وجعلوا فائدة التعلق الإفضاء بهم إلى الاستعداد للاتصال المسعد الذي للعارفين الفائزين وأحالوا كون الجسم من جنس ما كانت فيه لئلا يلزم التناسخ ووافق محققو الصوفية على جواز كونها مدبرة لذلك الجسم ومنعوا التناسخ لأن لزومه على عدم تقدير عودها إلى جسم نفسها الذي كانت فيه والعود الحاصل في النشأة الجنانية وإنما هذا التعلق في النشأة البرزخية ‏(‏تعلق‏)‏ بضم اللام أي تأكل تلك الطير بأفواهها ‏(‏من ثمرة الجنة‏)‏ فتجد بواسطة ريح الجنة ولذتها وبهجتها وسؤددها ما لم تحط به العقول، قال الطيبي‏:‏ الظاهر أن يقال تعلق بشجر الجنة وتعديته بالباء تفيد الاتصال والإلحاق ولعله كنى عن الأول لأنها إذا اتصلت بشجر الجنة وتشبثت بها أكلت من ثمارها ووصف الطير بالخضرة يحتمل أن يراد به كون لونها كذلك فيحتمل أن يراد أنها غضة ناعمة، قال ابن القيم‏:‏ وذا صريح في دخول الأرواح الجنة قبل القيامة وبه يمنع قول المعتزلة وغيرهم إن الجنة والنار غير مخلوقتين الآن‏.‏

قال العلم البلقيني قال السبكي رضي اللّه عنهما سمعت عمي يعني أبا البقاء يقول كنا حاضرين في الدرس عند قاضي القضاة ابن بنت الأعز وهو يلقي في حديث ‏"‏إن أرواح الشهداء، إلخ‏"‏ فحضر العلم العراقي فاستقر جالساً حتى قال على وجه السؤال لا يخلو إما أن يحصل للطير الحياة بتلك الأرواح أم لا والأول عين ما تقوله التناسخية والثاني مجرد حبس للأرواح وسجن فأجاب التاج السبكي بأن نلتزم الثاني وله يلزم كونه مجرد حبس وسجن لجواز أن يقدر لها في تلك الحواصل من السرور والنعيم ما ليس في الفضاء الواسع ‏(‏عجيبة‏)‏ رأيت في تذكرة المقريزي بخطه في ترجمة الشاطبي عن السهيلي أن رجلاً من أشياخ البلد جاءه فقال أخبرك يا أستاذ بعجيبة مات لي جار فرأيته البارحة في النوم فقلت له ما لقيت قال خيراً فأعلمك أن زوجتي يكتب صداقها غداً وتحضره أنت وأنا قلت كيف تحضر وأنت ميت قال إذا مشيت لحضور الصداق تجد في وسط الدار شجرة ريحان فإذا رأيت على غصن منها طير أخضر فهو أنا فلما أصبحت جاءني رجلان فقالا جارك فلان يزوج ابنته فدخلت الدار فرأيت الشجرة وجلست حذاءها وكتبت الصداق ووقع خلاف في بعض الشروط وإذا طائر صغير أخضر نزل على أغصانها ثم ذهب فقال أهل المجلس مالك لا تصلح بين الجماعة فقلت شغلني أمر عجيب فأخبرتهم فحلفت المرأة أن لا تزوجت أبداً‏.‏

- ‏(‏ت عن كعب بم مالك‏)‏ ورواه عنه أيضاً الطبراني قال الهيثمي وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏

2198 - ‏(‏إن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنة‏)‏ وذلك لأنهم لما بذلوا أبدانهم حتى مزقتها ‏[‏ص 423‏]‏ أعداء اللّه شكر لهم ذلك بأن رفع محل أرواحهم وأدنى مقعدها قال في المطامح‏:‏ الأصح ما ذكر في هذا الجزء من أن مقر الأرواح في السماء وأنها في حواصل طير ترتع في أشجار الجنة ولعلها مراتع مختلفة تكون الأرواح فيها بحسب درجاتها فالأعلى للأعلى وقال في النوادر‏:‏ الأرواح شأنها عجيب هي خفيفة سماوية وإنما ثقلت بظلمة الشهوات فإذا ريضت النفس وتخلص الروح منها وصفت من كدورة النفس عادت لخفتها وطهارتها قال القاضي‏:‏ وفيه وما قبله أن الإنسان غير الهيكل المحسوس بل هو مدرك بذاته لا يفنى بوفاة البدن ولا يتوقف عليه إدراكه وتأمله والتذاذه وقال الغزالي رحمه اللّه تعالى‏:‏ الروح يطلق لمعنيين أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى جميع أجزاء البدن وجريانه وفيضان أنوار الحياة والحس منه على أعضائه يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا البيت فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنيره به فالحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان والروح مثاله السراج وسريان الروح وحركته في الباطن مثال حركة السراج في زوايا البيت يتحرك بحركته والأطباء إذا أطلقوا الروح أرادوا هذا وهو بخار لطيف نضجته حرارة القلب وليس من غرض أطباء الدين شرحه بل المتعلق به غرضهم المعنى الثاني وهو اللطيفة العالية المدركة من الإنسان وهو أمر رباني عجيب يعجز أكثر العقول والأفهام عن إدراكه‏.‏ وقال ابن الزملكاني‏:‏ اختلف العقلاء في النفس والروح ويعنون به الذي يشير إليه كل أحد بقوله أنا ومنهم من يخص اسم النفس بهذا والروح بغيره وقد اضطربت المذاهب في ذلك اضطراباً كثيراً ومن يقول الروح هي النفس يحتج بقول بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك مع قول النبي صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه قبض أرواحنا وقوله تعالى ‏{‏اللّه يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها‏}‏ فلم يفرق بين الروح والنفس وفيه نظر والقول بأنها غير الروح يحتج بخبر إن اللّه خلق آدم عليه السلام وجعل فيه نفساً وروحاً فمن الروح عفافه وفهمه وحلمه وسخاؤه ووقاره ومن النفس شهوته وطيشه وسفهه وغضبه وقال تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام ‏{‏تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك‏}‏ ولا يحسن ذكر أحدهما في محل الآخر وقد جمع السهيلي بين الظواهر المختلفة بأن الروح مشتق من الريح وهو جسم هوائي لطيف به الحياة فإذا حصلت به الحياة كان روحاً حتى يكتب أخلاقاً ويقبل على مصالح الجسد فيسمى نفساً وبه يحصل الجواب عن الاحتجاج بالحدين الفارق بين الروح والنفس ثم نبه على التوسع حتى يطلق على الجسد والروح وحاصل ما ذكره يرجع إلى أن الروح لا يقال هي النفس مطلقاً بل يفصل كما ذكر‏.‏

- ‏(‏فر عن أبي هريرة‏)‏ وفيه محمد بن سهيل قال البخاري يتكلمون فيه وحفص بن سالم أبو مقاتل السمرقندي قال الذهبي متروك وأبو سهل حسام بن مصك متروك‏.‏

2199 - ‏(‏إن أزواج أهل الجنة‏)‏ زاد في رواية من الحور ‏(‏ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط‏)‏ أي بأصوات حسان ما سمع في الدنيا مثلها أحد قط، وتمام الحديث وإن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام وفي رواية وإن مما يغنين به‏:‏ نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يظعنه انتهى، فما اقتضاه صنيع المصنف من أن ما ذكر هو الحديث بكماله غير جيد‏.‏

- ‏(‏طس‏)‏ وكذا في الصغير ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال المنذري والهيثمي ورجالهما رجال الصحيح‏.‏

2200 - ‏(‏إن أشد‏)‏ وفي رواية لمسلم إن من أشد بزيادة من ‏(‏الناس عذاباً‏)‏ نصب على التمييز ‏(‏يوم القيامة‏)‏ الذي هو يوم وقوع الجزاء ‏(‏المصورون‏)‏ لصورة حيوان تام في نحو ورق أو قرطاس أو حجر أو مدر لأن الأصنام التي كانت تعبد ‏[‏ص 424‏]‏ كانت بصورة الحيوان وشمل النهي التصوير على ما يداس ويمتهن كبساط ووسادة وآنية وظرف ونمط وستر وسقف وغيرها ومن فهم اختصاص النهي بغير الممتهن فقد وهم وعجب من الإمام الطيبي مع كونه شافعياً وقع فيما ذهب إليه هذا القائل مع كون منقول مذهبه خلافه وخرج بالحيوان غيره كشجر وبالتام مقطوع نحو رأس مما لا يعيش بدونه وبتصويره على ما ذكر اسمه على نحو مائع أو هواء قال الحرالي‏:‏ والتصوير إقامة الصورة وهي تمام المبادىء التي يقع عليها حسن الناظر لظهورها فصورة كل شيء تمام بدوه‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ من حديث مسلم بن صبيح عن مسروق ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ قال مسلم كنت مع مسروق في بيت فيه تماثيل مريم فقال مسروق هذي تماثيل كسرى فقلت في هذا تماثيل مريم فقال أما إني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول بواسطة ابن مسعود فذكره‏.‏

2201 - ‏(‏إن أشد الناس ندامة يوم القيامة رجل‏)‏ ذكر الرجل وصف طردي والمراد مكلف ‏(‏باع آخرته بدنيا غيره‏)‏ أي استبدل بحظه الأخروي حصول حظ غيره الدنيوي وآثره عليه فأعظم بذلك من سفاهة وأصل الاشتراء بذل الثمن ليحصل ما يطلب من الأعيان ثم استعير للأعراض عما في يده محصلاً به غيره هبه من المعاني أو الأعيان ثم توسع فيه فاستعمل للرغبة عن الشيء طمعاً في غيره ثم إن هذا البائع يسمونه أخس الأخساء قال‏:‏

أكلف نفسي كل يوم وليلة * هموم هوى من لا أفوز بخيره

كما سود القصار بالشمس وجهه * حريصاً على تبييض أثواب غيره

- ‏(‏تخ عن أبي أمامة‏)‏ وإسناده حسن‏.‏

2202 - ‏(‏إن أشد الناس تصديقاً للناس أصدقهم حديثاً وإن أشد الناس تكذيباً‏)‏ للناس ‏(‏أكذبهم حديثاً‏)‏ فالصدوق يحمل كلام غيره على الصدق لاعتقاده قبح الكذب وإن المؤمن لا يتعمد القبيح والكذاب يتهم كل مخبر بالكذب ويكاد يجزم به لكونه ديدنه وعادته وشأنه فلا يستبعد حصوله من غيره بل يستقربه بل يقطع به -قال الشيخ لأن الإنسان يغلب عليه حالة نفسه ويظن أن الناس مثله وأشار هنا إلى الإلماح بما في قصة آدم فيما ذكره اللّه بقوله ‏{‏وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين‏}‏ وأنهما قبلا منه لظنهما أنه لا يحلف باللّه كاذباً-

- ‏(‏أبو الحسن القزويني‏)‏ بفتح القاف وسكون الزاي نسبة إلى قزوين إحدى المدائن العظيمة المشهورة خرج منها جماعة من أكابر العلماء في كل فن منهم أبو الحسن هذا وهو علي بن عمر الحربي من أهل بغداد وكان زاهداً عابداً من الأبدال وروى عن ابن مكرم وغيره وعنه خلق منهم الخطيب ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏أماليه‏)‏ الحديثية ‏(‏عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي‏.‏

2203 - ‏(‏إن أطيب طعامكم‏)‏ أي ألذه وأشهاه وأوفقه للأبدان ‏(‏ما‏)‏ أي شيء مأكول ‏(‏مسته النار‏)‏ أي أفضت إليه وأصابته وأثرت فيه بنحو شيء أو طبخ أو عقد أو قلي أو غير ذلك قال في المصباح وغيره‏:‏ مسسته أفضيت إليه بيدي بلا حائل كذا قيدوه ومس الماء الجسد مساً أصابه-قال الشيخ والكلام في اللحم لقضية السبب حيث تشاوروا عليه فذكره وفي أخرى أنه حضر اللحم فذكره- ‏(‏ع طب عن الحسن بن علي‏)‏ أمير المؤمنين كرم اللّه وجهه‏.‏

2204 - ‏(‏إن أطيب الكسب‏)‏ أي من أطيبه ‏(‏كسب التجار‏)‏ قال الحرالي‏:‏ الكسب ما يجري من الفعل والعمل والآثار ‏[‏ص 425‏]‏ على إحساس بمنة فيه وقوة عليه ‏(‏الذين إذا حدثوا‏)‏ أي أخبروا عن السلعة وشأنها ‏(‏لم يكذبوا‏)‏ في أخبارهم للمشتري بشيء من ذلك ‏(‏وإذا ائتمنوا‏)‏ أي وإذا ائتمنهم المشتري ونحوه في نحو كونه استخبره عن الشراء بما قام عليه أو كم رأس ماله ‏(‏لم يخونوا‏)‏ فيما ائتمنوا عليه ‏(‏وإذا وعدوا‏)‏ بنحو وفاء ديون التجارة ‏(‏لم يخلفوا‏)‏ اختياراً ‏(‏وإذا اشتروا‏)‏ سلعة ‏(‏لم يذمو‏)‏ ها ‏(‏وإذا باعوا‏)‏ سلعة ‏(‏لم يطروا‏)‏ -يطروا بضم المثناة التحتية وسكون الطاء من الإطراء وفي القاموس أطراه أحسن الثناء عليه- أي لم يتجاوزوا في مدحها الحد في الكذب فكسب التجار من أطيب الكسب بشرط مراعاة هذه الأوصاف فإذا فقد منها شيء فهو من أخبثه كما هو عادة غالب التجار الآن ‏(‏وإذا كان‏)‏ عليهم ديون لم يمطلوا -قال في المصباح مطلت الحديدة مطلاً من باب قتل مددتها وطولتها وكل ممدود ممطول ومنه مطلة بدينه مطلاً سوفه ومد الوفاء مرة بعد أخرى- أربابها أي يسوفوا وإذا كان ‏(‏لهم‏)‏ ديون وتقاضوها ‏(‏لم يعسروا‏)‏ أي يضيقوا أو يشددوا فهذه خصال الحافظين لحدود اللّه الذين أخذ اللّه عليهم في البيعة وأعطاهم الجنة أثمان نفوسهم ولا يقدر على الوفاء بها إلا من وثق بضامن الرزق في شأن الرزق وسقط خوفه وسكنت نفسه وزال عن قلبه محبة الرزق من أين وكيف وعندها يستحق اسم التقوى ‏{‏ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب‏}‏ -قال العلقمي أصول المكاسب الزراعة والصناعة والتجارة وأفضل ما يكتسبه من الزراعة لأنها أقرب إلى التوكل ولأنها أعم نفعاً ولأن الحاجة إليها أعم وفيها عمل البدن أيضاً ولأنه لابد في العادة أن يؤكل منها بغير عوض فيحصل له أجر وإن لم يكن ممن يعمل بيده بل يعمل غلمانه وأجراؤه فالكسب بها أفضل ثم الصناعة لأن الكسب فيها يحصل بكد اليمين ثم التجارة لأن الصحابة كانوا يكتسبون بها- ‏(‏هب عن معاذ‏)‏ وفيه ثور بن يزيد الكلاعي الحمصي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة مشهور بالقدر أخرجوه من حمص وحرقوا داره ‏.‏

2205 - ‏(‏إن أطيب ما أكلتم‏)‏ أي أحله وأهنأه ‏(‏من كسبكم‏)‏ يعني إن أطيب أكلكم مما كسبتموه بغير واسطة لقربه للتوكل وتعدى نفعه كذا بواسطة أولادكم كما بينه بقوله ‏(‏وإن أولادكم من كسبكم‏)‏ لأن ولد الرجل بعضه وحكم بعضه حكم نفسه ويسمى الولد كسباً مجازاً وذلك لأن والده سعى في تحصيله والكسب الطلب والسعي في الرزق ونفقة الأصل الفقير واجبة على فرعه عند الشافعي رضي اللّه عنه قال وقوله من كسبكم خبر إن ومن ابتدائية يعني إن أطيب أكلكم مبتدئاً بما كسبتموه بغير واسطة أو بواسطة من كسب أولادكم‏.‏

- ‏(‏تخ ت ن ه‏)‏ في البيع إلا الترمذي ففي الأحكام ‏(‏عن عائشة‏)‏ لكن لفظ أبي داود وابن ماجه ‏"‏ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه‏"‏ والحديث حسنه الترمذي وصححه أبو حاتم وأبو زرعة وأعله ابن القطان بأنه عن عمارة عن عمته وتارة عن أمه وهما لا يعرفان‏.‏

2206 - ‏(‏إن أعظم الذنوب‏)‏ أي من أعظمها على وزان قولهم فلان أعقل الناس أي من أعقلهم ‏(‏عند اللّه أن يلقاه بها عبد‏)‏ أي أن يلقى اللّه بها ملتبساً ‏(‏بعد الكبائر التي نهى اللّه عنها‏)‏ في القرآن والسنة ‏(‏أن يموت الرجل وعليه دين‏)‏ جملة حالية ‏(‏لا يدع‏)‏ أي لا يترك ‏(‏له قضاء‏)‏ -وهذا محمول على ما إذا قصر في الوفاء أو استدان لمعصية- قال الطيبي‏:‏ قوله أن يلقاه خبر وأن يموت بدل منه لأنك إذا ‏[‏ص 426‏]‏ قلت إن أعظم الذنوب عند اللّه موت الرجل وعليه دين استقام ولأن لقاء العبد ربه إنما هو بعد الموت ورجل مظهر أقيم مقام العبد أو لاستبعاد ملاقاته مالكه بهذا الشين ثم إعادته بلفظ رجل وتنكيره تحقيراً وتوهيناً له وإنما جعله هنا دون الكبائر لأن الاستدانة لغير معصية غير معصية والقائم بعدم وفائه بسبب عارض من تضييع حق الآدميين وأما الكبائر فمنهية لذاتها‏.‏

- ‏(‏حم د‏)‏ في البيوع ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ الأشعري ولم يضعفه فهو صالح وسنده جيد‏.‏

2207 - ‏(‏إن أعظم الناس‏)‏ أي من أعظمهم ‏(‏خطايا‏)‏ جمع خطيئة وهو الإثم والذنب ‏(‏يوم القيامة‏)‏ يوم وقوع الجزاء ‏(‏أكثرهم خوضاً في الباطل‏)‏ أي مشياً فيه إذ ‏{‏ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد‏}‏ وكم من كلمة لا يلقى لها الخائض بالاً يهوى بها في نار جهنم سبعين خريفاً كما سبق قال في المصباح‏:‏ خاض الرجل في الماء مشى فيه وخاض في الأمر وخاض في الباطل دخل فيه‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ من المجاز خاضوا في الحديث وتخاوضوا فيه وهو يخوض مع الخائضين أي بيطل مع المبطلين‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر ‏(‏في الصمت‏)‏ أي في كتابه الذي ألفه في فضل الصمت ‏(‏عن قتادة‏)‏ ابن دعامة ‏(‏مرسلاً‏)‏‏.‏

2208 - ‏(‏إن أعمال العباد تعرض -ومعنى العرض هنا الظهور وذلك أن الملائكة تقرأ الصحف في هذين اليومين-‏)‏ زاد في رواية على رب العالمين ‏(‏يوم الإثنين ويوم الخميس‏)‏ فليستح عبد أن يعرض على من أنعم عليه من عمله ما نهاه عنه ولا يعارضه خبر رفع عمل الليل قبل النهار والنهار قبل الليل لأنها تعرض كل يوم ثم تعرض أعمال الجمعة كل اثنين وخميس ثم أعمال السنة في شعبان فيعرض عرضاً بعد عرض ولكل عرض حكمة استأثر بها اللّه أو أطلع عليها من شاء أو المراد تعرض في اليوم تفصيلاً ثم في الجمعة جملة أو عكسه‏.‏

- ‏(‏حم د عن أسامة بن زيد‏)‏ قال‏:‏ كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يصوم الإثنين والخميس فذكره‏.‏

2209 - ‏(‏إن أعمال بني آدم تعرض على اللّه عشية كل‏)‏ يوم ‏(‏خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم‏)‏ أي قريب بنحو إساءة أو هجر فعمله لا ثواب فيه وإن كان صحيحاً وسبق أنه لا تلازم بين الصحة وعدم القبول وهذا وعيد شديد يفيد أن قطعها كبيرة أي إن كان بما ذكر بخلاف قطعها بترك الإحسان أو نحوه فليس بكبيرة بل ولا صغيرة كما قاله العلامة الولي العراقي ويحتمل كونه صغيرة في بعض الأحوال والعشية ما بين العشاءين أو آخر النهار أو من الزوال إلى الصباح أو أول ظلام الليل أو غير ذلك وهي مؤنثة وربما ذكرت على معنى العشي قال في الاتحاف‏:‏ ذكر العرض في الوقت المذكور بفهم أنه لا يقع في غيره وليس مراداً لما ورد أن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس وعليه فذكر العرض المتعلق بهذا في عشية الخميس لاحتمال التخصيص بهذا العمل بترك العشية ويحتمل وهو أقرب أن الحكم بعدم القبول يؤخر إلى ليلة الجمعة في العشية المذكورة فإن رجع إلى الحق وتاب قبل العمل عشية الخميس وإلا ردّ وفيه إشارة إلى أن الشخص ينبغي له تفقد نفسه في تلك العشية ليلقى ليلة الجمعة على وجه حسن‏.‏

- ‏(‏حم خد عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيثمي كالمنذري رجاله ثقات‏.‏

‏[‏ص 427‏]‏ 2210 - ‏(‏إن أغبط الناس عندي‏)‏ في رواية إن أغبط أوليائي أي أحسنهم حالاً ‏(‏لمؤمن خفيف الحاذ‏)‏ بحاء مهملة وذال معجمة مخففة أي قليل المال خفيف الظهر من العيال ‏(‏ذو حظ من الصلاة‏)‏ أي ذو راحة من مناجاة اللّه فيها واستغراق في المشاهدة ومنه خبر أرحنا يا بلال بالصلاة ‏(‏أحسن عبادة ربه‏)‏ تعميم بعد تخصيص والمراد إجادتها على الإخلاص وعليه فقوله ‏(‏وأطاعه في السر‏)‏ عطف تفسيري على أحسن ‏(‏وكان غامضاً في الناس‏)‏ أي مغموراً غير مشهور ‏(‏لا يشار إليه‏)‏ أي لا يشير الناس إليه ‏(‏بالأصابع‏)‏ بيان وتقرير لمعنى الغموض ‏(‏وكان رزقه كفافاً‏)‏ أي بقدر الكفاية لا يزيد ولا ينقص ‏(‏فصبر على ذلك‏)‏ بين به أن ملاك ذلك كله الصبر وبه يقوى على الطاعة ‏{‏أولئك يجزون الغرفة بما صبروا‏}‏ ‏(‏عجلت منيته‏)‏ أي سلت روحه بالتعجل لقلة تعلقه بالدنيا وغلبة شغفه بالآخرة ‏(‏وقل تراثه -أي المال الذي خلفه وهذا صفة أويس الفرني وأضرابه من أهل الظاهر وفي الأولياء من هو أرفع درجة من هؤلاء وهو عبد قد استعمله اللّه فهو في قبضته به ينطق وبه يبصر وبه يسمع وبه يبطش جعله صاحب لواء الأولياء وأمان أهل الأرض ومنظر أهل السماء وخاصة اللّه وموقع نظره ومعدن سره وسوطه يؤدب به خلقه ويحيي القلوب الميتة برؤيته وهو أمير الأولياء وقائدهم والقائم بالثناء على ربه بين يدي المصطفى صلى اللّه عليه وآله وسلم يباهي به الملائكة وهو القطب-‏)‏ وزاد في رواية وقلت بواكيه‏:‏ أي لقلة عياله وهوانه على الناس وعدم احتفالهم به قال ابن عربي‏:‏ هؤلاء هم الرجال الذين حلوا من الولاية أقصى درجاتها رجال اقتطعهم اللّه إليه وصانهم وحبسهم في خيام صون الغيرة وليس في وسع الخلق أن يقوموا بما لهذه الطائفة من الحق عليهم لعلو منصبهم فحبس ظواهرهم في خيمات العادات والعبادات من الأعمال الظاهرة لا يعرفون بخرق عادة ولا يعظمون ولا يشار إليهم بالصلاح الذي في عرف العامة فهم الأتقياء الأمناء في العالم الغامضون في الناس والأولياء الأكابر إذا تركوا أنفسهم لم يختر أحد منهم الظهور أصلاً لعلمهم بأنه تعالى إنما خلقهم له فشغلوا أنفسهم بما خلقوا له فإن أظهرهم الحق بغير اختيار منهم بما يجعل في قلوب الخلق لهم فذلك إليه ما لهم فيه عمل وإن سترهم فلم يجعل لهم في قلوب الناس قدراً يعظمونهم من أجله فذلك إليه سبحانه فلا اختيار لهم مع اختيار الحق فإن خيرهم اختاروا الستر والانقطاع إليه ‏(‏تتمة‏)‏ قال ابن عطاء اللّه‏:‏ لا تنسبنّ نفسك لعفاف ولا لتقلل وكفاف ولكن اشهد فضل اللّه عليك‏.‏

- ‏(‏حم ت ه ك‏)‏ في الأطعمة وصححه ‏(‏عن أبي أمامة‏)‏ قال ابن القطان وأخطأ من عزاء لأبي هريرة قال في المنار‏:‏ وهو ضعيف إذ يرويه عبد اللّه بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم وهم ضعفاء اهـ قال الذهبي عقب تصحيح الحاكم له بل هو إلى الضعف ما هو قال الحافظ العراقي رواه الترمذي وابن ماجه بإسنادين ضعيفين وقال ابن الجوزي حديث لا يصح رواته ما بين مجاهيل وضعفاء ولا يبعد أن يكون معمولهم اهـ‏.‏

2211 - ‏(‏إن أفضل الضحايا‏)‏ جمع أضحية وضحية ‏(‏أغلاها‏)‏ بغين معجمة ‏(‏وأسمنها‏)‏ أكثرها شحماً ولحماً يعني التضحية بها أكثر ثواباً عند اللّه تعالى من الهزيلة كما سبق تقريره قال الشافعية والأسمن أفضل من العدد وكثير اللحم غير الرديء خير من كثير الشحم‏.‏